مقالات وكتابات


الخميس - 11 يناير 2018 - الساعة 02:10 ص

كُتب بواسطة : د. قاسم المحبشي - ارشيف الكاتب


قبل أيام اتصل بي الأديب الصديق الشاب ياسر عبدالباقي وطلب مني إجراء مقابلة وثائقية عن قيم التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي بغرض عمل فلم وثائقي يعرض في الورشة العلمية العلمية التي ينظمها المجلس الانتقالي بعنوان( التسامح والتصالح ركيزة أساسية لانطلاق الثورة السلمية نحو استعادة الدولة الجنوبية المستقلة) يوم الخميس ١١ يناير ٢٠١٨م
ولما كنت من دعاة الفكرة وروادها منذ عام ١٩٩٧م إذ تحضرني الذاكرة الآن بإنني مع نخبة من الزملاء والاخوة الاعزاء في الجامعة وخارجها ومنهم الدكتور علوي عمر مبلغ عميد كلية الآداب الحالي والزميل الدكتور المرحوم خالد صالح الشعيبي والأخ محمد عبدالقوي المفلحي مدير فندق عدن حينها والأخ المرحوم عمر شيخ عمر عضو المجلس الاستشاري حينها والأخ أحمد علي هيثم مدير أمن مينا عدن وغيرهم ممن لم أعد اتذكر أسماءهم للأسف، تشاورنا لعقد أول لقاء تصالح وتسامح في منزل الأخ محمد عبدالقوي المفلحي الكائن في خورمكسر بتاريخ ٧/٧/١٩٩٧م حينما كان المستبيحون لمدينة عدن العاصمة يحتفلون بالذكرى الثالثة لدخولها بدباباتهم.
عقدنا ذلك اللقاء الأخوي في عصر يوم الخميس بحضور نوعي وتكلمنا من القلب الى القلب ليلتها بشأن ضرورة التصالح والتسامح في مواجهة المصير الماساوي الذي آل اليه حالنا في ( الجمهورية اليمنية) بعد حرب صيف١٩٩٧ الغاشمة.
ربما لا أحد يعلم بهذه الجلسة التي تعد أول مبادرة واعية في حركة المقاومة السلمية بعدن. ومنذ ذلك الحين وأنا أفكر فيما ينبغي عمله بشأن فكرة التصالح والتسامح التي كانت أهم خطوة في تهيئة الأرضية المناسبة لانطلاقة ثورة المقاومة السلمية.
على كل حال أتمنى من الأخوة الذين حضروا تلك الأمسية الطيبة الكتابة عن ما لم أعد أتذكره منها.
وربما كان الشعور بتحدي هذه الحاجة الملحة هو ما حفزني للقراءة المنهجية في هذا الموضوع، إذ استطعت أن أكون معرفة أولية مكنتني من الكتابة في عن معرفة ودراية، فكتبت عدد من المقالات في معنى مفاهيم التصالح والتسامح والتضامن والفرق بينها وفِي الحاجة الى ترسيخها وفِي كيفية تحويلها الى ثقافة عامة وغير ذلك. وهكذا لم اجد صعوبة تذكر في الإجابة على اسئلة العزيز ياسر عبدالباقي في مكتبة كلية الآداب بل أنه استأذنني بأخذ نصوص من مقالاتي لتوظيفها في فلمه الوثائقي وعبرت له عن موافقتي وسعادتي بذلك. وكل ما اتمناه أن اشاهد غدا الفلم الوثائقي في الورشة المكرسة لهذا الغرض. أما خلاصة ورقتي المشاركة في الورشة فهاكم إياها وأتمنى أن تجد لديكم ما تستحقه من القراءة والنقد والتقييم.
وأعيد التذكير هنا بان التصالح هو سابق للتسامح والتضامن، وأن الأول يعني الماضي والثاني يعني الحاضر والثالث يعني المستقبل في ترابط علائقي عضوي
متصل الحلقات في كل الأوقات.

في الفرق بين التسامح السلبي والإيجابي!

أولا. التسامح السلبي : الذي يعني ترك الأمور تمشي على أعنتها دون أن يكون للمتسامحين موقفا محددا منها وهو يتساوي مع اللامبالاة والانعزال والاهمال أو غياب الاهتمام بمعنى عدم التفاعل والتعاون والتضامن الفعّال، إذ تجد فيه كل فرد من أفراد المدينة أو المجتمع أو المؤسسة العامة منشغل بأمور حياته الخاصة ويعزف عن الاهتمام بالموضوعات العامة التي يتشارك به مع غيره من أعضاء المؤسسة أو الحي أو المدينة أو المجتمع عامة، ويتصرف وكأنها لا تعنيه! وهذا هو المستوى الأدنى من التسامح الهش الذي لا يمكن البناء عليها لانه لايدوم على حال من الأحوال بل يظل سريع التبدل والتحول والزوال.
ثانياالتسامح الإيجابي: الذي يعني أن الفاعلين الاجتماعيين المستهدفين بالتسامح قد استشعروا الحاجة الحيوية إلى بعضهم وأن لديهم مشاعر واعية ومشتركة باهمية التعايش والاندماج في مجتمعهم ويمتلكون القناعة الراسخة باهمية الحفاظ على سلمه وسلامته ونظامه واستقراره وتنميته وترسيخة بالتسامح الفعّال بالافعال والأقوال بوصفه قيمة اخلاقية وثقافية مقدرة خير تقدير في حياتهم المشتركة وحق من حقوق كل الإنسان الذي يستحق التقدير والاحترام وهذا النمط من التسامح لا يكون ولا ينمو الا في مجتمع مدني منظم بالقانون والمؤسسات العامة التي يجب ان تقف على مسافة واحدة من جميع أفراد المجتمع بما يجعلهم على قناعة تامة بأنها مؤسساتهم هم وأن الحفاظ عليها وصيانتها وتنميتها هي مسؤوليهم جميعا، ويستشعرون في أعماقهم الدافع والحماس للعمل والنشاط والتضامن الفعّال وبذلك يمهد التسامح الشرط والمزاج العام للتضامن العضوي بين جميع أفراد المجتمع في مشروع اعادة بناء مؤسستهم السياسية الوطنية الجامعة أي الدولة على أسس عادلة ومستقرة جديرة بالجهد والقيمة والاعتبار والافراد يأتون ويذهبوا اما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم إذا ما وجدت من يتعهدها بالصيانة والحرص والاهتمام . والنَّاس هم الذين يشكلون مؤسساتهم ثم تقوم هي بتشكيلهم! فكيف ما كانت مؤسساتهم الحاضرة يكونون في مستقبل الأيام ! هذا هو التسامح المطلوب في واقع حياتنا الراهنة، انه التسامح الذي لا يعني أن على المرء أن يحب جاره بل أن يجهد في أحترامه ويصون حقوقه وفقا للقاعدةالأخلاقية :عامل الناس كما تود أن يعاملوك! على هذا النحو يمكن اعتبار التسامح هو الشرط الأولي لكل عيش اجتماعي مشترك ممكن ومستقر, ينتهج طريق واساليب سلمية عقلانية رشيدة في حل مشاكله ونزاعاته التي لا سبيل الى تجاوزها , وهذا لا يتم الا بالتفاوض والتفاهم والحوار الايجابي بين الفاعلين الاجتماعيين في سبيل تحقيق العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الفاعلين الاجتماعيين هذا معناه ان أي حوار وتفاوض وتفاهم وتنسيق لا يمكنه أن يقوم ويتحقق وينمو ويزدهر ويثمر بدون التسامح الإيجابي الذي يرتكز على الاعتراف المتبادل بين الأطراف بالأهلية والقيمة والندية والقدرة والسلطة والنفوذ بما يكفل لكل طرف من الاطراف قول رأيه والتعبير عما يعتقده صوابا بحرية كاملة وظروف متكافئة , فالتسامح هو الشرط الضروري للتعايش والعيش بسلام والتفاهم بشأن المشكلات والأزمات والنزاعات الاجتماعية التي تنشأ في سياق الحياة الاجتماعية للناس الساعيين وراء اشباع حاجاتهم وتامين شروط حياتهم .
ويمكن تلخيص أهم شرط من شروط التسامح الفعّال بانه الاعتراف بقيمة الآخر وجدارته ونديته وحقوقه المتساوية مع الجميع اعضاء المجتمع المعني وهو نمط من أنماط العلاقة بين الذات والآخر يعني التقدير والاحترام وتكافؤ الفرص والعدالة والإنصاف والاعتراف إذ أن أكبر التي يمكن أن تصيب الإنسان هو غياب التقدير والانصاف والاعتراف و يمكن أن يتحمل المرء كل المصائب الخارجية مقارنة بالظلم والإهمال والاحتقار.
ومن هنا يعد التسامح ضرورة العيش الفعال والمشجع في الحاضر العادل الأمن المستقر الذي يجعل من الانتقال الى المستقبل أمر ممكنا بما يوفره من بيئة سلمية مستقرة وسليمة ومتعافية صالحة للتضامن والتعاون والتعاضد والتراحم والتأزر وتأليب الجهود والطاقات في سبيل تأسيس المداميك الصحيحة للمجتمع الذي نريد ان نُكوِّنه مجتمع المستقبل ودولته العادلة الآمنة المستقرة المزدهرة . وبهذا المعنى يكون التضامن مرتبة قائمة على التسامح الايجابي الفعال بين المتسامحين الذين ينشدون الذهاب إلى المستقبل الأفضل .